أرشيف

من يملك معاقبة روسيا..؟

تردد الحديث كثيرا بعد أزمة القوقاز عن فرض عقوبات على روسيا بحجة أنها تمادت في استخدام القوة ضد جورجيا، على الرغم من أن الجميع يعلم بأن جورجيا هي التي بادرت بالهجوم العسكري البري والجوي على عاصمة أوسيتيا الجنوبية تسيخنفالي وأسقطت المئات من الضحايا المدنيين.

وللأسف الشديد أن أحدا في الغرب لم يعير أية اهتمام لضحايا أوسيتيا الجنوبية بينما ذهبت البارجات الحربية الأميركية تنقل المساعدات الإنسانية لجورجيا التي لم يثبت وقوع ضحايا فيها نتيجة دخول القوات الروسية أراضيها.

أكد الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف أن الدعم الأميركي لنظام الحكم في جمهورية جورجيا تسبب في التوتر الذي بات يشوب العلاقات بين الغرب وروسيا. وأشار إلى أن الولايات المتحدة أعطت «كارت بلانش» للزعيم الجورجي، وكانت النتيجة أن هذا الزعيم أفلس بينما اقترب نظامه من حافة الهاوية.

ويرى ميدفيديف أنه حان الوقت لأن يعيد الأميركان النظر في موقفهم من نظام الحكم الجورجي هذا. جاء ذلك في تصريحات الرئيس الروسي لوسائل إعلام أوروبية، حيث أشار إلى أن روسيا تعتبر ساكاشفيلي «جثة سياسية» بمعنى أن الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي انتهى وخرج من حيز الوجود.

رغم هذا وما زلنا نسمع من يقول بوجوب معاقبة روسيا، ولكن كيف؟، كيف يمكن معاقبة دولة مثل روسيا، ومن هذا الذي يملك القدرة على معاقبتها؟

لقد أثبتت الأزمة الأخيرة في القوقاز أن روسيا الآن بات يصعب فرض عقوبات عليها باعتبار أن أحدا في العالم لا يملك أية أوراق ضغط على روسيا التي باتت في شبه استقلال ذاتي كبير في جميع مواردها.

وبات الجميع في حاجة ملحة لها ولمساعداتها، ولنأخذ أمثلة على ذلك، فالولايات المتحدة التي ترفع شعار فرض العقوبات على روسيا باتت هي أيضا أسيرة الحاجة لروسيا، فالقوات الأميركية في جنوب أفغانستان باتت لا تقوى على القتال بسبب نقص الإمدادات لها، وروسيا هي الدولة الوحيدة القادرة على السماح بنقل هذه الإمدادات عبر أراضيها لقوات حلف الناتو في الجنوب.

وكانت روسيا قد وافقت في فبراير الماضي على السماح بمرور الإمدادات عبر أراضيها، و الآن من الممكن لموسكو أن تتراجع عن موافقتها بسبب الموقف الأميركي الحالي من جورجيا، لكنها لم تفعل احتراما منها لالتزاماتها الدولية .

ليس فقط هذا، بل إن قطاع الطيران الأميركي وخاصة شركة بوينغ تحتاج وبشدة لروسيا التي تمتلك مادة التيتانيوم اللازمة لصناعة الطيران وتعتمد عليها الشركات الأميركية كثيرا، كذلك وكالة ناسا الأميركية للفضاء التي عبر مديرها التنفيذي عن قلقه الشديد من أن يؤثر النزاع في القوقاز على تعاون روسيا مع الوكالة التي أصبحت غير قادرة على إرسال أية رحلات للفضاء بدون صواريخ سويوز الروسية.

وما قرار وقف استيراد لحوم الدواجن الأميركية التي اتخذته الحكومة الروسية الأسبوع الماضي إلا نموذج بسيط على ما تملكه روسيا من أوراق، علما بأن هذا القرار سيكبد منتجي اللحوم الأميركية خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

إذا كان هذا حال الولايات المتحدة فما بالنا بحال الأوروبيين الذين أصابهم الذعر والقلق من هذه الأزمة والذين رفضوا تماما الخوض في أية حديث حول معاقبة روسيا، بل إن الزعماء الأوروبيين الكبار لم ينقطعوا عن الاتصال التليفوني بالرئيس الروسي ميدفيديف منذ وقوع الأزمة ليطمئنوه بأن الأوروبيين يرفضون اية قطيعة مع روسيا، وكيف يجرؤ الأوروبيون على مقاطعة الدولة التي تضمن لهم أكثر من نصف استهلاكهم للطاقة من النفط والغاز .

وعن دعوة بعض المسؤولين الأميركيين إلى إسقاط عضوية روسيا من (مجموعة الدول الصناعية المتقدمة الثماني) قال الرئيس ميدفيديف إن مجموعة الثماني لن تعود قابلة للحياة في حال انسحاب روسيا منها.

وعن عضوية منظمة التجارة الحرة فإن روسيا نفسها مترددة في الانضمام لهذه المنظمة لما تفرضه عليها من قيود هي في غنى عنها.

بعد هذا كله.. من يملك معاقبة روسيا؟

 

 

عن البيان الإماراتية

زر الذهاب إلى الأعلى